فصل: باب الجعالة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***


باب القراض

مسألة‏:‏

لو اختلف المالك والعامل فقال المالك دفعت لك المال قراضا وقال الآخر بل قرضا من المصدق‏.‏

الجواب‏:‏

هذا الفرع لم أره منقولا عندنا وإنما المنقول عكسه وهو في الروضة محكى فيه وجهان بلا ترجيح، ورجح فيما إذا كان المال باقيا تصديق المالك وفيما إذا تلف تصديق العامل، وأما هذا الفرع فالذي يظهر فيه تصديق العامل لأن معه يدا وبلغني أنه منقول عند المالكية كذلك‏.‏

باب المزارعة

مسألة‏:‏

رجل له أرض اتفق مع شخص عنده قمح على أنهما يزرعان الأرض وأن صاحب القمح يبذر عن صاحب الأرض ما يخصه من القمح وأن ما يخص صاحب القمح يؤدي هو خراجه وإن صاحب الأرض يحرث ما يخصه وما يخص شريكه في مقابلة أنه يصبر عليه بما يخصه من القمح ثم طلع الزرع فما الذي يستحقه كل منهما‏.‏

الجواب‏:‏

يختص صاحب القمح بجميع الزرع لأن القمح الذي بذره كله ملكه ولم يقع فيه قرض صحيح وعليه أجرة المثل للأرض ولصاحب الأرض أيضا أجرة المثل لعمله وحرثه لأنه عمل بإجارة فاسدة‏.‏

باب الإجارة

مسألة‏:‏

رجل أجر أرضا عشر سنين ثم باعها لآخر بعد ثمان سنين وجعل له أجرة السنتين فامتنع المستأجر من زرعها وقال للمشتري ازرع أنت أرضك فهل له ذلك‏.‏

الجواب‏:‏

إذا باع الأرض المؤجرة فالإجارة لازمة باقية على حكمها وليس للمستأجر الامتناع ومعناه أن عليه بقية الأجرة زرعها أم لا لأن الأجرة تلزم وأن لم يستوف المنفعة ولا يجبر على الزرع نفسه، لكن الصورة المسؤول عنها فيها جعل الأجرة الباقية للمشتري فإن ذكر ذلك في العقد على وجه أنه شرط في البيع بطل البيع‏.‏

مسألة‏:‏

فيمن أستأجر شخصا لقلع سن وجعه فحضر لذلك فقال المستأجر سني طيبة وامتنع من قلعها فهل تنفسخ الإجارة أم لا‏.‏

الجواب‏:‏

أطلق الجمهور أن الإجارة تنفسخ‏.‏

مسألة‏:‏

رجل أستأجر بيتا مرخما على أن يسكنه خاصة وأقبض الأجرة فوضع فيه كتانا واحترق البيت بسببه فهل يضمن البيت وإذا ضمنه فهل يلزمه قيمته أو بناء مثله وهل تنفسخ الإجارة وهل له الرجوع بأجرة بقية المدة‏.‏

الجواب‏:‏

إن كان حصول الحريق في البيت بفعل منسوب إليه من نار أوقدها وجرت إلى ذلك فهو ضامن للبيت مطلقا وإن كان غير منسوب إليه فضمانه على من نسب إليه الحريق، وهل يكون المستأجر طريقا في الضمان‏؟‏ ينظر فإن كان أستأجر للانتفاع مطلقا فلا أو للسكنى خاصة فهو متعد بوضع الكتان فيصير بذلك غاصبا كما ذكره الأصحاب فيما إذا اكترى ليسكن فاسكن حدادا أو قصارا وإذا صار غاصبا صار طريقا في الضمان والقرار على من نسب إليه الحريق وعلى كل حال تنفسخ الإجارة بما حصل ويستحق بقية أجرة المدة فيرجع بها أو يحاسب بها مما يلزمه، وأما هل تلزمه قيمة الدار أو بناء مثلها فالذي أفتى به النووي ونقله عن نص الشافعي أنه يلزمه بناء مثلها ولكن فيما إذا هدم جدارا، ولا يظهر بينه وبين ما نحن فيه فرق، وأما الأسنوي فصحح وجوب القيمة لأن الجدار متقوم وأول النص فالعمدة على ما أفتى به النووي وقصة جريح في الصحيح تؤيده‏.‏

مسألة‏:‏

استأجر إنسان عينا مدة ولزمته الأجرة باستيفاء المنفعة فادعى أنه معسر وكان أقر عند الإجارة أنه ملى وقادر فهل يقبل قوله في دعوى الإعسار بعد إقراره‏.‏

الجواب‏:‏

لا يقبل قوله إلا ببينة تشهد أنه كان قادرا وتلف ماله‏.‏

مسألة‏:‏

رجل أستأجر من رجل أرضا إقطاعية ليزرعها مدة ثلاث سنين فمات المؤجر بعد سنتين وخلف ولدا فهل تنفسخ الإجارة أو تبقى لولد المؤجر‏.‏

الجواب‏:‏

الأرض الإقطاعية في إجارتها كلام للعلماء حتى قال المحققون أنها لا تصح إجارتها لأنها بصدد أن ينزعها الإمام من المقطع ويقطعها غيره لكن الذي نختاره صحة إجارتها ومع ذلك لا نقول أنها كالأرض المملوكة حتى أنه إذا مات المؤجر تبقى الإجارة بل نقول بانفساخ الإجارة بموته كما إذا مات البطن الأول وقد أجر الوقف بل أولى لأن البطن الثاني ينتقل إليه الوقف قطعا والإقطاع لا يتحقق انتقاله إلى الولد فقد يقطعه السلطان إياه وقد لا يقطعه‏.‏

مسألة‏:‏

في رجل سافر لبلاد السلطان في طلب مال الذخيرة فأعطوه حق طريقه فأخذ صحبته ثلاثة مماليك في خدمته فأعطى كل واحد منهم عشرة أشرفية فهل له أن يدعى على أحدهم بالمبلغ الذي أعطاه في نظير سفره معه وهل يلزمه أن يعطى من أخذ معه تسفيره‏.‏

الجواب‏:‏

يلزمه أن يعطى الذي أخذه معه تسفيره بشرط أن يشرط عليه ذلك أو لا فإن سافر معه ولم يذكر له أجرة فلا شيء له ومتى أعطاه شيئا وقد شرطه له أو لا أو لم يشرطه ولكن تبرع به فلا رجوع له به‏.‏

باب الجعالة

مسألة‏:‏

شخص حج حجة نافلة فقال له آخر بعني ثواب حجتك بكذا فقال له بعتك فهل ذلك صحيح، وينتقل الثواب إليه، وإذا قال شخص لآخر أقرأ لي كل يوم ما تيسر من القرآن واجعل ثوابه لي وجعل له على ذلك مالا معلوما ففعل فهل يكون ثواب القراءة للمجعول له أو مثل الثواب أم لا، وإذا انتقل الثواب له فهل يبقى للقارئ ثواب أم لا، وكذا إذا لم يقرأ له بجعالة ولكن قرأ له تبرعا من نفسه وكذا سائر العبادات‏.‏

الجواب‏:‏

أما مسألة الحج وسائر العبادات فباطلة عند الفقهاء وأما مسألة القراءة فجائزة إذا شرط الدعاء بعدها والمال الذي يأخذه من باب الجعالة وهي جعالة على الدعاء لا على القراءة فإن ثواب القراءة للقارئ ولا يمكن نقله للمدعو وله إنما يقال له مثل ثوابه فيدعو بذلك ويحصل له أن استجاب الله الدعاء وكذا حكم القارئ بلا جعالة في الدعاء‏.‏

مسألة‏:‏

فيمن يقرأ ختمات من القرآن بأجرة هل يحل له ذلك وهل يكون ما يأخذه من الأجرة من باب التكسب أو الصدقة‏.‏

الجواب‏:‏

نعم يحل له أخذ المال على القراءة والدعاء بعدها وليس ذلك من باب الأجرة ولا الصدقة بل من باب الجعالة فإن القراءة لا يحوز الاستئجار عليها لأن منفعتها لا تعود للمستأجر لما تقرر في مذهبنا من أن ثواب القراءة للقارئ لا للمقروء له‏.‏ وتجوز الجعالة عليها إن شرط الدعاء بعدها وإلا فلا وتكون الجعالة على الدعاء لا على القراءة‏.‏ هذا مقتضى قواعد الفقه وقرره لنا أشياخنا، وفي شرح المهذب أنه لا يحوز الاستئجار لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتجوز الجعالة إن كانت على الدعاء عند زيارة قبره لأن الدعاء تدخله النيابة ولا يضر الجهل بنفس الدعاء وإن كانت على مجرد الوقوف عنده ومشاهدته فلا لأنه لا تدخله النيابة انتهى، ومسألة القراءة نظيره‏.‏

مسألة –

ماذا جوابكم لا زال فضلكم *** يعم سائلكم في كل ما سألا

في قارئ يقرأ القرآن ليس له *** قصد سوى أنه في الوقف قد حصلا

لأخذ معلومة في الوقف لازمة *** فصار مثل أجير لازم العملا

فهل ثياب على هذى القراءة أو *** ثوابه في حضور يشبه العملا

فقد تنازع فيها قائلان فمن *** أصاب وجه صواب نلتم نزلا

ولا برحتم نجوما والزمان بكم *** زاه ومبتهج والخير قد حصلا

الجواب –

الحمد لله حمدا يبلغ الاملا *** ثم الصلاة على المختار منتحلا

لا يطلق القول في هذا بأن له *** أجرا ولا بانتفاء الأجر عنه خلا

بل المدار على ما كان نيته *** بالقلب وهو على النيات قد حملا

فإن نوى قربة لله كان له *** أجر وأن ينو محض الجعل عنه فلا

وابن السيوطي قد خط الجواب لكي *** يرى لدى الحشر في فردوسه النزلا

باب إحياء الموات

مسألة‏:‏

رجل بيده رزقة اشتراها ثم مات فوضع شخص يده عليها بتوقيع سلطاني فهل للورثة منازعته‏.‏

الجواب‏:‏

إن كانت الرزقة وصلت إلى البائع الأول بطريق شرعي بأن أقطعه السلطان إياها وهي أرض موات فإنه يملكها ويصح منه بيعها ويملكها المشتري منه وإذا مات فهي لورثته ولا يجوز لأحد وضع اليد عليها لا بأمر سلطاني ولا بغيره وإن كان السلطان أقطعه إياها وهي غير موات كما هو الغالب الآن فإن المقطع لا يملكها بل ينتفع بها بحسب ما يقرها السلطان في يده وللسلطان انتزاعها متى شاء ولا يجوز للمقطع بيعها فإن باع ففاسد وإذا أعطاها السلطان لأحد نفذ ولا يطالب‏.‏

مسألة‏:‏

ما شرع فيه في هذه الأيام من هدم الأبنية المحدثة في الشوارع وحريم المساجد هل يجوز أم لا‏.‏

الجواب‏:‏

نعم هو جائز بل واجب‏.‏

البارع في إقطاع الشارع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى‏.‏ عرض على ورقة صورتها‏:‏ فرع يجوز للإمام إقطاع الشارع على الأصح فيصير المقطع به كالمتحجر ولا يجوز لأحد تملكه بالأحياء وفي وجه غريب يجوز للإمام تملك ما فضل عن حاجة الطريق ومراد قائله أن للإمام التملك للمسلمين لا لنفسه‏.‏ وذكر الرافعي في الجنايات أنه تقدم في الأحياء أن الأكثرين جوزوا الإقطاع وأن المقطع يبنى فيه ويتملك وهذا ذهول فإن الأصح في الصلح منع البناء وهنا منع التملك انتهى‏.‏ وأقول هذا الفرع منقول برمته من التكملة للزركشي والكلام عليه من وجهين‏:‏ الوجه الأول في ذكر حكم المسألة إجمالا وحكمها على ما هو المفهوم من المنقول بعد مراجعة ما تيسر من كتب المذهب كالروضة والشرح وتهذيب البغوي وكافي الخوارزمي ونهاية إمام الحرمين وبسيط الغزالي ووسيطه والأحكام السلطانية للماوردي والتلخيص لابن القاص والبلغة للجرجاني وتعليق القاضي الحسين وغير ذلك، ومن كتب المتأخرين الكفاية لابن الرفعة وشرح المنهاج للسبكي والمهمات والخادم أن الإمام إذا أقطع أحدا موضعا من الشارع كان المقطع أولى به من غيره للارتفاق خاصة دون التملك والبناء وأنه لو جاء أحد بعد صدور الإقطاع إلى هذا الموضع فجلس فيه أزعج منه ولا يقر ولو كان المقطع غائبا عنه وليس فيه أمتعته فإن قلت مقتضى قوله كالمتحجر أنه لو جاء أحد وتعدى وجلس لم يمنع لأن المشبه به وهو المتحجر قالوا أنه يصير أحق من غيره ومع ذلك لو تعدى غيره وبنى لم يكن عليه سوى الإثم ويملك البقية بالإحياء ومقتضى ذلك أن المتعدي هنا ليس عليه سوى الإثم ولا يزعج قلت ليس الأمر كذلك كما سنبينه مفصلا‏.‏ الوجه الثاني في الكلام على ذلك من حيث التفصيل فنقول في هذا الفرع المسؤول عنه أمور أحدها أن قوله كالمتحجر زيادة زادها الزركشي وليست في كلام الشيخين ولا غيرهما كما سنبين ذلك عند سياق عباراتهم وحينئذ فلا يرد أصلا السؤال المتقدم وعلى تقدير توجهه فالجواب عنه من ثلاثة أوجه‏:‏ الوجه الأول أن القاعدة المقررة أنه لا يلزم استواء المشبه والمشبه به من كل وجه فيكون التشبيه في الأحقية فقط لا في القدر الزائد أيضا من حصول متعد بعد ثبوت الأحقية وهذا واضح، الثاني الفرق بين الصورتين فإن مسألة المتحجر البقعة فيها تقبل التملك فإذا وجد الأحياء الذي هو أقوى سببا عمل بمقتضاه وقدم على التحجر الذي هو أضعف وذلك من باب نسخ السبب الضعيف لوجود أقوى منه ونظيره إدخال الحج على العمرة وطروء الحدث الأكبر على الأصغر وتقديم المباشرة على السبب في باب الجنايات، وأما مسألة الشارع فالبقعة فيها لا تقبل التملك فلم يوجد سبب أقوى يقدم على هذا السبب فتمسكنا بالسبب السابق الذي هو إقطاع الإمام وألغى كلما طرأ بعده، الثالث أن قوله عقب هذا التشبيه ولا يجوز لأحد تملكه بالأحياء يجري مجرى القيد لمحل التشبيه فيكون في معنى قوله إنه كالمتحجر إلا أنه لا يجوز لأحد أن يتملكه فتكون هذه الجملة مخرجة لتلك الصورة المذكورة في المتحجر وهو تعدى شخص عليه بالأحياء فلا تأتى هنا ويكون إخراجها من منطوق الكلام لا من مفهومه ولهذا عبر بقوله لأحد الدال على العموم ولم يقل ولا يجوز له تملكه أي للمقطع ليفيد أن المقطع وغيره في ذلك سواء فبكل من هذه الأوجه الثلاثة عرف أن العبارة لا تعطى ذلك المقتضى المذكور، ووجه رابع وهو أنه شبهه بالمتحجر من حيث أنه لم يملك البقعة بالتحجر وكذلك هو لا يملك البقعة بالإقطاع وعلى هذا فقوله بعده ولا يجوز لأحد تملكه بالإحياء جار مجرى التفسير لا مجرى التقييد، الأمر الثاني أن قوله وذكر الرافعي في الجنايات إلى قوله وهذا ذهول سبقه إليه ابن الرفعة في الكفاية ثم السبكي في شرح المنهاج ثم الأسنوي في المهمات فاعتمده الزركشي هنا وحاول في الخادم التأويل والجمع بين كلام الرافعي ونحن نسوق ما تيسر من عبارات الأصحاب في المسألة قال في الروضة وهل قطاع الإمام فيه مدخل وجهان أصحهما عند الجمهور نعم وهو المنصوص لأن له فيه نظرا ولهذا يزعج من أضر جلوسه، وأما تملك شيء من ذلك فلا سبيل إليه بحال، وحكى وجه في الرقم للعبادي وفي شرح مختصر الجويني لأبي طاهر أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق والمعروف الأول- هذه عبارة الروضة فانظر كيف لم يذكر فيها قوله كالمتحجر وقال البغوي في التهذيب‏:‏ القطائع قسمان أحدهما ما يملك وهو ما مضى من إحياء الموات والثاني إقطاع إرفاق لا تملك فيه كمقاعد الأسواق والطرق الواسعة ويجوز للسلطان إقطاعه لكنه لا يملكه بل يكون أولى به ويمنع أن يبني دكة لأنه يضيق الطريق ويضر بالضرير وبالبصير بالليل وإذا أقطع السلطان موضعا كان أحق به سواء نقل متاعه إليه أو لم ينقل لأن للإمام النظر والاجتهاد وإذا أقطعه ثبت يده عليه، وقال الخوارزمي في الكافي القطائع ضربان إقطاع إرفاق وإقطاع تملك أما إقطاع الإرفاق وهو أن يقطع الإمام أو نائبه من إنسان موضعا من مقاعد الأسواق والطريق الواسعة ليجلس فيه للبيع والشراء فيجوز إذا كان لا يضر بالمارة هذا هو المذهب، ولو أقطعه السلطان موضعا منه لا يملكه ويكون أولى به نقل متاعه إليه أو لم ينقل ولو قام عنه أو غاب عنه لا ينقطع حقه عنه حتى لو عاد كان أولى به ولو قعد فيه بالسبق من غير إقطاع كان أولى به ما دام هو فيه وكذا لو قام وترك فيه شيئا من متاعه فليس لغيره إزعاجه منه ولو لم يترك فيه شيئا فسبق إليه غيره كان الثاني أحق به والفرق بينهما أن الاستحقاق تم بالإقطاع وهو باق بعد الذهاب والاستحقاق ههنا بكونه فيه وقد زال - هذا هو المذهب انتهى كلام الخوارزمي بحروفه فانظر كيف صرح بأن المقطع أحق به ولو قام أو غاب ولم يكن له فيه متاع وإنه لو أراد أحد الجلوس فيه في غيبته أزعج بخلاف من قعد بالسبق من غير إقطاع إذا قام ولم يترك متاعه كان لغيره الجلوس فيه ثم فرق بين المسألتين ببقاء الاستحقاق بعد الذهاب بالإقطاع وهذا ما قدمنا ذكره في أول الكلام على المسألة، وقال الماوردي في الأحكام السلطانية وأما القسم الثالث وهو ما اختص بأفنية الشوارع والطرقات فهو موقوف على نظر السلطان وفي حكم نظره وجهان أحدهما أن نظره فيه مقصور على كفهم عن التعدي ومنعهم من الإضرار والإصلاح بينهم عند التشاجر وليس له أن يقيم جالسا ولا أن يقدم مؤخرا ويكون السابق إلى المكان أحق به من المسبوق، والوجه الثاني أن نظره فيه نظر مجتهد فيما يراه صلاحا من اجلاس من يجلسه ومنع من يمنعه وتقديم من يقدمه كما يجتهد في أموال بيت المال وإقطاع الموات ولا يجعل السابق أحق على هذا الوجه وليس له على الوجهين أن يأخذ منهم على الجلوس أجرا وإذا تاركهم على التراضي كان السابق إلى المكان أحق من المسبوق انتهى، والوجه الثاني هو الذي ذكر في الروضة أنه الأصح فانظر كيف صرح الماوردي بان السابق لا يجعل أحق على هذا الوجه تقديما لإقطاع الإمام، وقال السبكي في شرح المنهاج وهل لإقطاع الإمام مدخل في الشوارع وجهان أصحهما نعم ورجحه الأكثرون ونص عليه الشافعي لأن للإمام نظرا واجتهادا في أن الجلوس في الموضع هل هو مضر أولا ولهذا يزعج من رأى جلوسه مضرا وإنما يزعجه الإمام وإذا كان لاجتهاده فيه مدخل فكذلك لإقطاعه، والثاني وهو اختيار الجوري والقفال ورجحه الغزالي أنه لا مدخل للإقطاع في ذلك لأنها منتفع بها من غير عمل فأشبهت المعادن الظاهرة ولأنه لا مدخل للتمليك فيها فلا معنى للإقطاع بخلاف الموات، قال الرافعي وللنزاع فيه مجال في قوله لا مدخل للتمليك فيه لأن في الرقم للعبادي وفي شرح مختصر الجويني لابن طاهر وجه أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق وزاد الرافعي فقال في كتاب الجنايات فيما إذا حفر بئرا في شارع بإذن الإمام أن الذي أورده أصحابنا العراقيون والروياني وصاحب التتمة لا ضمان وجوزوا أن يخصص الإمام قطعة من الشارع ببعض الناس فإن الخلاف راجع إلى ما تقدم في إحياء الموات أن إقطاع الإمام هل له مدخل في الشوارع وبينا أن الأكثرين قالوا نعم وجوزوا للمقطع أن يبني فيه ويتملكه هذا كلامه في الجنايات، قال السبكي ولم يتقدم منه في إحياء الموات إلا ما ذكرناه فقوله بينا أن الأكثرين قالوا نعم يريد به تجويز الإقطاع وهو صحيح وقوله وجوزوا للمقطع أن يبني فيه يمكن تمشيته على قول من يقول بجواز بناء دكة في الشارع وقد تقدم في الصلح أن الأصح خلافه وقوله ويتملكه لا يمكن تمشيته إلا على ما حكاه هنا عن الرقم وشرح مختصر الجويني وهو وجه غريب منكر لا يكاد يعرف فلا يبني عليه قال والظاهر أن الرافعي لما تكلم في الجنايات طال عهده بما ذكره في الصلح وفي إحياء الموات ولم يحرره، قال ابن الرفعة وكيف قدر فهو بعيد إلا إذا جهل السبب الذي صار به الشارع شارعا وإذا جهل السبب ومنه ما يمتنع معه التملك جزما ومنه ما لا يكون كذلك فكيف يقدم على تملكه وأيضا فإن الشارع وإن اتسع في وقت قد يكون في وقت آخر بقدر الحاجة أو أضيق وهو موضوع شارعا لعموم الأوقات، قال السبكي وهذا الذي قاله ابن الرفعة صحيح ثم قال وإذا جوزنا الإقطاع في ذلك فإنما معناه أن يصير المقطع أحق بالارتفاق به من غيره قال وقد تكرر في كلام الشافعي والأصحاب أن الإقطاع قسمان إقطاع إرفاق وهو هذا وإقطاع تمليك وهو ما تقدم في الموات ليتملك بالإحياء فالشارع وإن أطلق عليه اسم الموات فيما عدا المرور ونحوه لا يدخله الإحياء ولا الحمى ولا إقطاع التمليك، ثم قال السبكي‏:‏ فرع عن الأحكام السلطانية للماوردي إذا قلنا بدخول الإقطاع فلا يجعل السابق أحق قال فإن أراد السابق بعد الإقطاع فصحيح لأن بالإقطاع صار المقطع أحق وأما إذا سبق واحد قبل الإقطاع فينبغي أن يمتنع الإقطاع لغيره ما دام حقه باقيا ولا يأتي فيه خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به‏)‏ وحاصله أن السبق موجب للأحقية قطعا بالحديث والإقطاع موجب للأحقية على الصحيح فإن تعارضا قدم الأقدم تاريخا ولو فرضنا أنهما حصلا في وقت واحد فينبغي تقديم السبق لأنه ثابت بالنص وإنما لم نقدمه بعد الإقطاع لأنا نجعل الإقطاع سبقا انتهى كلام السبكي‏.‏ فانظر كيف نقل عن الماوردي أن السابق مع الإقطاع لا حق له وحمله على السابق بعد صدور الإقطاع وقال إنه صحيح وعلله بأن بالإقطاع صار المقطع أحق وبأنا نجعل الإقطاع سبقا وهو عين ما نقلناه في أول الكلام على المسألة، الأمر الثالث في بقية ما يتعلق بكلام الرافعي قال في المهمات بعد سياق كلاميه ولا شك في أن المذكور هناك يعنى في الجنايات سهو فإنه أحال على المذكور هنا فأطلق القول من غير إمعان وقال في الخادم بعد أن ساق كلام الرافعي وكلام ابن الرفعة في الاعتراض عليه الذي يظهر أنهما مسألتان إحداهما أن الإمام هل له أن يملك ابتداء والأصح المنع وهو المذكور هنا والثانية أنه إذا أقطعه الإمام ذلك فهل للمقطع أن يتملكه إذا بنى فيه والأصح نعم وهو المذكور في الجنايات قال والحاصل أن هذا الإقطاع بمثابة إقطاع الموات إذا بنى فيه تملك وليس للإمام أن يملكه ابتداء قال فإن قلت يمنع من هذا حوالة الرافعي في الجنايات على المذكور هنا وهو لم يذكر هنا التملك بضم اللام وإنما ذكر التمليك، قلت قد ذكر هنا جواز الإقطاع ومن لازمه جواز التملك وقد صرح بهذا اللازم في الجنايات وأيضا فلم يقل في الجنايات أنه يملكه بل يتملكه ومعناه أنه يتملكه بالإحياء للمسلمين قال على أن الصواب المذكور هنا وفيما نقله هناك عن الأكثرين نظر أما قولهم إنهم جوزوا فيه البناء فلا يتأتى فيه الأعلى تجويز بناء دكة في الشارع إذا لم يضر وهو وجه والأصح كما قاله في باب الصلح المنع وإن لم يضر، وأما قولهم إنهم جوزوا تملكه فلا يتأتى إلا على ما حكاه هنا عن الرقم وهو وجه غريب قلت حط محط كلام الخادم على إبقاء الاعتراض على الرافعي والحكم عليه بالسهو فيما ذكره في الجنايات وهو معذور في ذلك فانه حاول الجمع بينهما بالطريق التي ذكرها فوجدها لا تتمشى على الراجح فرجع إلى مواقفه المعترضين، وأقول لا بأس بتأويل كلام الرافعي على وجه يمنع نسبة الذهول والسهو إليه وعبارته في الجنايات وإن حفر لمصلحة عامة ففيه الوجهان أو القولان والخلاف راجع إلى ما تقدم في إحياء الموات إن إقطاع الإمام هل له مدخل في الشوارع وبينا أن الأكثرين قالوا نعم وجوزوا للمقطع أن يبني فيه ويتملكه انتهى‏.‏ فمحمل الإيراد هنا إجراء الكلام على أن قوله وجوزوا معطوف على قالوا فيكون منسوبا للأكثرين وعلى أن قوله ويتملكه الضمير فيه راجع إلى الشارع كما هو راجع إليه في قوله أن يبني فيه ويندفع الأول بأن يجعل قوله وجوزوا مستأنفا لا معطوفا على خبران فيكون إشارة إلى الوجه المذكور في الصلح أنه يجوز البناء في الطريق وهو وجه مشهور لا غريب وإن لم يكن هو المصحح، والقصد بسياق ذلك هنا الإشارة إلى بناء الخلاف في مسألة حفر البئر على هذا الخلاف المذكور في إحياء الموات في إقطاع الإمام للشارع وعلى الخلاف المذكور في جواز البناء في الشارع ويوضح ما قلناه من الاستئناف وعدم العطف إن مسألة البناء ليست مذكورة في إحياء الموات وإنما هي مذكورة في باب الصلح فكيف يظن بالرافعي أنه يعزو إلى باب مسألتين وليس فيه إلا إحداهما فتعين أن الذي عزاه إلى إحياء الموات إنما هو مسألة إقطاع الإمام فقط وهي التي حكى فيها هناك عن الأكثرين الجواز وتم الكلام عند قوله وبينا أن الأكثرين قالوا نعم ثم استأنف كلاما آخر على طريق التذييل مرشحا لما ذكره فقال وجوزوا أي طائفة من الأصحاب للمقطع أن يبني فيه فيكون ذلك ترشيحا لجواز حفر البئر في الشارع لمصلحة عامة الذي هو الأظهر ولا يلزم من ذلك أن يكون الراجح في مسألة البناء الجواز لما أشرنا إليه من أن القصد بسياق ذلك بناء الخلاف على الخلاف والترشيح ولا يلزم من بناء الخلاف في مسألة على الخلاف في أخرى أن يستويا في الترجيح وأما اعتراضهم عليه في قوله ويتملكه بأن الوجه القائل بتملك الشارع المحكى في إحياء الموات غريب منكر لا يبنى عليه ولا يعول فضلا عن أن يعزى إلى الأكثرين فإنه يندفع بأيسر شيء وذلك أن الاعتراض مبنى على أن الضمير في يتملكه عائد إلى الشارع ونحن نقول ليس عائدا إلى الشارع بل إلى البناء المفهوم من قوله يبنى فيه فيكون ذلك ترشيحا لجواز حفر البئر لأنه إذا قالت فرقة بجواز أن يبنى في الشارع ما يكون ملكا لبانيه فجواز حفر البئر ‏؟‏‏؟‏ لا تملك وتجعل لعموم المسلمين أولى‏.‏ هذا ما تيسر تأويل كلام الرافعي عليه وهو وإن كان فيه بعض تكلف فإنه أولى من نسبة الإمام الرافعي إلى السهو والذهول‏.‏ ومن النقول في المسألة عودا وانعطافا على ما تقدم قال ابن القاص في تلخيصه القطائع فرقتان أحدهما مضى والثاني إقطاع إرفاق لا يملك مثل المقاعد في الأسواق هو أحق به، وقال إمام الحرمين في النهاية الذي صار معظم الأصحاب أن الوالي لو أراد أن يقطع القاعد فله ذلك كما له أن يقطع الموات من محييه، وقال الغزالي في البسيط الإمام هل له أن يقطع مقاعد الأسواق‏؟‏ الذي ذهب إليه معظم الأصحاب أن له ذلك كما في الموات، وذكر في الوسيط نحوه، وقال الجرجاني في البلغة وأما الشوارع والرحاب الواسعة فلكل أحد أن يرتفق بالقعود فيها للبيع والشراء بحيث لا يضر بالمجتازين ومتى تركها كان غيره أحق بها وإن قام عنها ليعود إليها في غد كان أولى بها فإن أقطع الإمام مكانا منها كان المقطع أحق بالارتفاق به من غيره، وقال القاضي حسين في تعليقه الإقطاع قسمان أحدهما إقطاع تمليك وهو الموات الذي يتملكه المقطع بإحداث أمر فيه والثاني إقطاع إرفاق وهو مثل الرباطات ومقاعد الأسواق فللإمام أن يقطعها من شاء ليجلس فيها للتجارة وغيرها إذا كان لا يتضرر المارة به إذ لاجتهاده مدخل في هذه المواضع بدليل أنه يمنع عنه من يجلس فيه على وجه يتضرر به الناس بخلاف المعادن الظاهرة فإنه لا مدخل لاجتهاد الإمام فيها إذ لا يسوغ له منع أحد عنها بحال تم الحكم فيه أن المقطع أحق به ما دام يتردد ويرجع إليه فإن أعرض عنه وتركه فللغير أن يجلس فيه وإن اشتغل عنه بعذر أو غيره فحقه قائم فيه ليس للغير أن يجلس مكانه وإذا مرض أو غاب إن كانت المدة قصيرة لم يكن للغير أن يجلس مكانه وإن طالت المدة فللغير الجلوس مكانه ولا يملكه المقطع بحال إذ ليس فيه أثر عمارة ولا عين مال بخلاف الموات والمعادن الباطنة على أحد القولين انتهى‏.‏ فهذه عبارات مشاهير أئمة الأصحاب ليس فيها تعرض لتشبيهه بالمتحجر حتى يتوهم أن يأتي في المتعدي عليه على ما يأتي في المتعدى على المتحجر والله أعلم‏.‏ قال مؤلفه رضي الله عنه ألفته في ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثمانمائة‏.‏

الجهر بمنع البروز على شاطئ النهر

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى‏.‏ وقع في هذه الأيام أن رجلا له بيت بالروضة على شاطئ النيل أصله قديم على سمت جدران بيوت الجيران الأصلية ثم أحدث فيه من بضع عشرة سنة بروز ذرعه إلى صوب البحر نحو عشرين ذراعا بالذراع الشرعي بحيث خرج عن سمت بيوت الجيران القديمة ثم أراد في هذه الأيام أن يحدث فيه بروزا ثانيا قدام ذلك البروز الأول متصلا به فحفر له أساسا ذرعه إلى صوب البحر ستة عشر ذراعا بالذراع الشرعي بحيث يصير مجموع البروزين ستة وثلاثين ذراعا واقعة في حريم النهر وأرضه التي هي عند احتراق النيل مشرع له وطريق للواردين والمارين فقلت له لا يحل لك ذلك باتفاق المذاهب الأربعة فشنع علي في البلد أني أفتيت بهدم بيوت الروضة وهذا كذب محض وإشاعة باطلة فإن البيوت القديمة الباقية على أصولها لا يحل التعرض لها وإنما <ص الكلام في البروز الحادث وما يراد إحداثه الآن وكثير من الناس يظنون أن مذهب الشافعي: جواز البروز مطلقا وليس كذلك بل شرطه أن لا يكون في شارع ولا في حريم نهر ولا نحو ذلك مما هو مبين في كتب الفقه وقد وقع في حياة شيوخنا إن أيبك الخاصكي بنى بيتا بمصر تجاه جامع الريس وبرز فيه على شاطئ النهر فاستفتى الشيخ الإمام العلامة المحقق جلال الدين المحلى الشافعي فأفتى بمنعه من ذلك وعلله بأن شطوط الأنهار لا تملك ولا يجوز إحياؤها ولا البناء فيها وهذا هو منقول المذهب نص عليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه وسائر أصحابه ولا نعلم في ذلك خلافا في المذهب بل ولا في بقية المذاهب الأربعة بل الأئمة وأتباعهم متفقون على هذا الحكم. وهذه نبذة من نقول الأئمة في ذلك:

ذكر نقول مذهبنا (الشافعية)

قال الرافعي في الشرح والنووي في الروضة: حريم المعمور لا يملك بالإحياء والحريم هو المواضع القريبة التي نحتاج إليها لتمام الانتفاع كالطريق ومسيل الماء ونحوه ثم تكلما على حريم الدار وحريم القرية ثم قالا والبئر المحفورة في الموات حريمها الموضع الذي يقف فيه النازح وموضع الدولاب ومتردد البهيمة ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزرع من حوض ونحوه والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه وكل ذلك غبر محدود وإنما هو بحسب الحاجة كذا قاله الشافعي والأصحاب وفي وجه حريم البئر قدر عمقها من كل جانب وبهذا يقاس حريم النهر- هذا كلام الشيخين، ثم قالا بعد ذلك عمارة حافات هذه الأنهار من وظائف بيت المال ويجوز أن يبنى عليها قنطرة لعبور الناس لأن ذلك من مصالح المسلمين انتهى. وقال الشيخ تقي الدين السبكي في شرح المنهاج ما نصه فرع عن أبي حنيفة لا حريم للنهر وعن أبي يوسف ومحمد له حريم وهو مذهبنا قال ورأيت في ديار مصر من الفقهاء من يستنكر العماير التي على حافات النيل ويقول أنه لا يجوز إحياؤها قال وهذا قد عمت به البلوى في جميع البلدان قال وإذا رأينا عمارة على 0حافة نهر لا نغيرها لاحتمال أنها وضعت بحق وإنما الكلام في الابتداء أو فيما عرف حاله، ثم قال ومما عظمت البلوى به اعتقاد بعض العوام أن أرض النهر ملك بيت المال وهذا أمر لا دليل عليه وإنما هو كالمعادن الظاهرة لا يجوز للإمام إقطاعها ولا تمليكها بل هو أعظم من المعادن الظاهرة في ذلك المعنى والمعادن الظاهرة إنما امتنع التملك والاقطاع فيها لشبهها بالماء وبإجماع المسلمين على المنع من إقطاع مشارع الماء لاحتياج جميع الناس إليها فكيف يباع قال ولو فتح هذا الباب لأدى إلى أن بعض الناس يشتري أنهار البلد كلها ويمنع بقية الخلق عنها فينبغي أن يشهر هذا الحكم ليحذر من يقدم عليه كائنا من كان ويحمل الأمر على أنها مبقاة على الإباحة كالموات وأن الخلق كلهم يشتركون فيها، وتفارق الموات في أنها لا تملك بالأحياء ولا تباع ولا تقطع وليس للسلطان تصرف فيها بل هو وغيره فيها سواء فإن وجدنا نهرا صغيرا بيد قوم مخصوصين مستولين عليه دون غيرهم فهو ملكهم يتصرفون فيه بما شاؤوا وإن لم يكن ملكا ولكن فيه مشارب لقوم مخصوصين فحقوقهم فيه على تلك المشارب يتصرفون فيها بالطريق الشرعي - هذا كله كلام السبكي، وهو تصريح بالنقل عن مذهبنا أن النهر له حريم لا يجوز تملكه ولا أحياؤه ولا البناء فيه ولا بيعه ولا إقطاعه، وقال في فتاويه الأنهار ومجاريها العامة ليست مملوكة بل هي إما مباحة لا يجوز لأحد تملها وإما وقف على جميع المسلمين ولا شك أن الأنهار الكبار كالنيل والفرات مباحة كما صرح به الفقهاء في كتبهم ولا يجوز تملك شيء منها بالإحياء لا بالبيع من بيت المال ولا بغيره وكذلك حافاتها التي عموم الناس إلى الإرتفاق بها لأجلها والأنهار الصغيرة التي حفرها قوم مخصوصون معرفون مملوكة لهم كسائر الأملاك المشتركة انتهى بحروفه، وهو تصريح بالنقل عن الفقهاء أن حافات النيل لا يجوز تملكها ولا إحياءها، وقال في شرح المنهاج فرع شخص أراد أن يغرس على حريمه على ماء جار شجرة جاز وأن كان النهر مشتركا لأنه لا يضر بهم كما يتخذ على باب داره مشرعا، وفي فتاوي القفال: رجل له دار في موضع ويجري نهر على باب داره فأراد أن يغرس شجر على جانب النهر بحذاء داره لم يجز فقيل له هذا كما لو بنى دكة في الشارع فقال ليس كذلك انتهى. فإذا منع القفال من غرس شجرة فما ظنك بالبناء، وقال الزركشي في شرح المنهاج حافات النيل والفرات لا يجوز تملك شيء منها بالأحياء ولا بالابتياع من بيت المال ولا غيره قال وقد عمت البلوى بالأبنية على حافات النيل كما عمت بالقرافة مع أنها مسبلة، وذكر الدميري في شرح المنهاج نحو ذلك، وقد راجعت نص الشافعي فوجدته نص في مختصر المزني وفي الأم على أن النهر والماء الظاهر لا يملكه أحد من الناس ولا يصح لأحد أن يقطعه بحال والناس فيه شرع والمسلمون كلهم شركاء في ذلك - هذا نصه في الكتابين، زاد في الأم ولو أحدث على شيء من هذا بناء قيل له حول بناءك ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله، وقال ابن الرفعة في الكفاية الحرائم هي المواضع القريبة التي يحتاج إليها لتمام الانتفاع بها سميت بذلك لأنها يحرم التعرض لها بنوع عدوان وذلك يختلف باختلاف المحيا وذكر نحو ما تقدم عن الرافعي والنووي ثم قال وحمل الأصحاب قوله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر أربعون ذراعا) على آبار الحجاز فإنها تكون عميقة تحتاج في المواضع التي يمر فيها الثور إلى ذلك المقدار وحريم النهر ملقى النهر للطين وما يخرج منه من التقن وهو رسابة الماء، وقال البغوي في التهذيب من حريم النهر ملقى الطين وما يخرج منه، وقال الخوارزمي في الكافي حريم النهر ما يلقى فيه الطين عند الحفر، وقال السبكي في شرح المنهاج في سنن البيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر أربعون ذراعا من جوانبها كلها) وعن ابن المسيب حريم البئر البدئي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها وحريم العادي خمسون ذراعا من نواحيها كلها وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها، قال الزهري وسمعت الناس يقولون حريم العيون خمسمائة ذراع وعن أبي هريرة مرفوعا مثل قول ابن المسيب وعن ابن عباس حريم البئر خمسون ذراعا وحريم العين مائتا ذراع، ثم قال السبكي: والشافعي لم ير التحديد وحمل اختلاف الروايات على القدر المحتاج إليه وبهذا يقاس حريم النهر قال ومن حريم النهر ملقى طينه وما يخرج منه مما يحتاج إلى إلقائه عند حفره قال وفي كلام الأصحاب وملقى تقنه وهو ما ينحى مع الماء وسمى الرسابة، وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته) وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر مد رشائها) وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم النخلة مد جر يدها) قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ إذا أحيا أرضا ليغرس فيها وغرس فليس لغيره أن يغرس بجواره بحيث تلتف أغصان الغراس وبحيث تلتقي عروقها، وقال الماوردي حريم الأرض المحياة للزراعة طرقها ومفيض مائها وبيدر زرعها وما لا يستغنى عنه من مرافقها. انتهى ما في شرح المنهاج للسبكي في ضبط الحريم، وقال الغزى في أدب القضاء مسألة لا يجوز لأحد أن يبنى سكرا في النهر العام الكبير الذي ليس بمملوك لأن النهر العام كالطريق المسلوك العام ولو أراد أن يضع صخرة في طريق واسع منع منه، وفي فتاوى ابن الصلاح:

مسألة:

إذا أراد رجل أن يبني عمارة سكر في النهر الكبير الذي ليس بمملوك ثم يبنى عليه طاحونة وناعورة ولا يضر بمن هو فوقه ولا بمن هو أسفل منه هل له ذلك ويكون ذلك أحياء له ويكون بمنزلة الموات الذي يملك بالأحياء حتى يملك قرار النهر الذي يبنى عليه العمارات ويملك حريمه أم لا؟

أجاب ليس له ذلك فإنه لا يخلو عن ضرر فإنه يمنع من أن ينحدر في مكانه بسباحة أو سفينة أو نحو ذلك وطريق الماء العام كطريق السلوك العام ولو أراد مريد أن يضع صخرة في طريق شارع واسع منع منه وهذا شر من ذلك من وجه ولو قدر خلو ذلك عن الضرر لم يجز ملك ذلك الموضع كما لا يملك شيئا من الطرق الواسعة بشيء من الاختصاصات الجائزة.

ذكر نقول الحنفية

قال في الهداية: ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجاتهم إليها فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها بمنزلة الطريق والنهر وعلى هذا قالوا لا يجوز أن يقطع الإمام ما لا غنى للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقى الناس منها لما ذكرنا ومن حفر بئرا في برية فله حريمها فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا وإن كانت للناضح فحريمها ستون ذراعا عندهما وعند أبي حنيفة أربعون ذراعا لهما إلى أن قال وإن كان عينا فحريمها خمسمائة ذراع بالتوقيف والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب والذراع هي المكسرة فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه، ثم قال والقناة لها حريم بقدر ما يصلح وعن محمد أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم وقيل هذا عندهما وعنده لا حريم لها ما لم يظهر الماء لأنه نهر في التحقيق فيعتبر بالنهر الظاهر قالوا وعند ظهور الماء على الأرض فهو بمنزلة عين فوارة فيقدر بخمسمائة ذراع والشجرة تغرس في ارض موات لها حريم أيضا حتى لم يكن لغيره أن يغرس شجرا في حريمه لأنه يحتاج إلى حريم له يجد ثمره ويضعه فيه وهو مقدر بخمسة أذرع وبه ورد الحديث وما تركه الفرات أو دجلة وعدل عنه الماء ويجوز عوده إليه لم يجز أحياؤه لحاجة العامة إلى كونه نهرا وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر لأنه ليس في ملك أحد لأن قهر الماء يدفع قهر غيره ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريم عند أبي حنيفة إلا أن يقيم بينة على ذلك وقالا له مسناة النهر يمشى عليها ويلقى عليها طينه ثم عن أبي يوسف أن حريمه مقدار نصف بطن النهر من كل جانب وعن محمد مقدار بطن النهر من كل جانب وهذا أرفق بالناس، ثم قال أعلم أن المياه أنواع منها ماء البحار ولكل واحد من الناس فيها حق الشفه وسقي الأراضي حتى إن من أراد أن يكرى منها نهرا إلى أرضه لم يمنع من ذلك والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء فلا يمنع من الانتفاع به على أي وجه شاء، والثاني ماء الأودية العظام كجيحون وسيحون ودجلة والفرات للناس فيه حق الشفه على الإطلاق وحق سقي الأراضي فإن أحيا واحد أرضا ميتة وكرى منها نهر ليسقيها إن كان لا يضر بالعامة ولا يكون النهر في ملك أحد له ذلك لأنها مباحة في الأصل إذ قهر الماء يدفع قهر غيره وإن كان يضر بالعامة فليس له ذلك لأن دفع الضرر عنهم واجب وعلى هذا نصب الرحى عليه لأن شق النهر للرحى كشقه للسقي ثم قال الأنهار ثلاثة نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد كالفرات ونحوه وهذا كريه على السلطان من بيت مال المسلمين لأن منفعة الكرى لهم فتكون مؤنته من الخراج والجزية دون العشر والصدقات فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه أحياء لمصلحة العامة انتهى ملخصا، وقال القدوري ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم ومن حفر بئرا في برية فله حريمها فإن كانت للتعطن فحريمها أربعون ذراعا وإن كانت للناضح فستون ذراعا وإن كانت عينا فحريمها ثلثمائة ذراع فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه، وما ترك الفرات ودجلة وعدل عنه الماء ويجوز عوده إليه لم يجر أحياؤه وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر من أحياه بإذن الإمام ملكه ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن يقيم بينة على ذلك وقال أبو يوسف ومحمد له مسناة النهر يمشى عليها ويلقى عليها طينه انتهى. وقد عرف بهذا النص وغيره من كتب الحنفية أن الذي نقله السبكي عن أبي حنيفة من أنه لا حريم للنهر إنما هو في النهر المملوك في أرض الغير لا في الأنهار الكبار المباحة كالنيل والفرات وقال صاحب النافع وهو الإمام أبو المفاخر السويدي الزوزني ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر يترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم ومن حفر بئرا فله حريمها فإن كانت بئر العطن فحريمها أربعون ذراعا وإن كانت بئرا لناضح فستون ذراعا وإن كان عينا فحريمها خمسمائة ذراع من كل جانب فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه وما تركه الفرات أو دجلة وعدل عنه ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه لحاجة النهر إليه فإن كان لا يمكن أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما للعامر ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن تكون له بينة عليه وقال أبو يوسف ومحمد له مسناة النهر يمشى عليها ويلقى عليها طينه، وفي فتاوي قاضي خان لو حفر بئرا في المفازة أو في موضع لا يملكه أحد بإذن الإمام كان له ذلك وله ما حوله أربعون ذراعا حريما للبئر ولو حفر نهرا في مفازة بإذن الإمام قال أبو حنيفة لا يستحق للنهر حريما وقال صاحباه يستحق مقدار عرض النهر حتى إذا كان مقدار عرض النهر ثلاثة أذرع كان له من الحريم مقدار ثلاثة أذرع من الجانبين من كل جانب ذراع ونصف في قول الطحاوي وعن الكرخي مقدار عرض النهر، هذا في النهر الذي حفره إنسان وملكه، وقال في موضع آخر ولو احتفر رجل قناة بغير إذن الإمام في مفازة وساق الماء حتى أتى به أرضا فأحياها فإنه يجعل لقناته ولمخرج مائه حريما بقدر ما يصلح وهذا قول أبي يوسف ومحمد فأما عند أبي حنيفة إذا فعل ذلك بإذن الإمام فإنه يستحق الحريم للموضع الذي يقع الماء فيه على وجه الأرض وإن كان بغير إذن الإمام لا شيء له لأن عند أبي حنيفة من احتفر نهرا لا يستحق له الحريم والقناة إلا أن يقع الماء على وجه الأرض بمنزلة النهر، وقال في موضع آخر إذا أحيا رجل أمواتا ليس لها شرب وحفر لها من نهر للعامة حافتها غير مملوكة وساق إليها ما يكفيها من الماء ينظر إن كان ذلك لا يضر بالعامة كان له ذلك وإن كان يضر بالعامة ليس له أن يفعل ذلك ولا للإمام أن يأذن له بذلك وكذا ليس للإمام أن يزيد في النهر العظيم كوة أو كوتين إن كان يضر بالعامة وفي النهر الخاص المملوك ليس له أن يفعل ذلك أضر بصاحب الملك أم لم يضر لأن حافة النهر ملكه فلا يملك حفرها وسعتها، وقال في موضع آخر الأنهار ثلاثة الأول النهر العظيم الذي لم يدخل في المقاسم كالفرات ودجلة وجيحون وسيحون والنيل إذا احتاج إلى الكرى فإصلاح شطه يكون على السلطان من بيت المال فإن لم يكن في بيت المال مال يجبر المسلمون على كريه وإن أراد واحد من المسلمين أن يكرى منها نهرا لأرضه كان له ذلك إذا لم يضر بالعامة بأن ينكسر شط النهر ويخاف منه الغرق فيمنع من ذلك، ثم قال نهر يجري في سكة تحفر في كل سنة مرتين ويجتمع تراب كثير في السكة قالوا إن كان التراب على حريم النهر لم يكن لأهل السكة تكليف أرباب النهر نقل التراب وإن كان التراب جاوز حريم النهر كان لهم ذلك وكذلك نهر لقوم يجري في أرض رجل حفروا التراب وألقوا التراب في أرضه إن كان التراب في حريم النهر لم يكن لصاحب الأرض أن يأخذ أصحاب النهر برفع التراب لأن لهم إلقاء التراب في حريم النهر فإن ألقوا التراب في غير حريم النهر كان له أن يأخذهم برفع التراب، وقال في موضع آخر رجل بنى في الطريق الأعظم بناء لا يضر بالطريق فعثر به إنسان فعطب أو دابة فتلفت كان ضامنا ولكل واحد من الناس حق المنع والمطالبة بالرفع وكذا لو نصب على نهر العامة طاحونة لا تضر بالنهر فكالطريق ولكل واحد حق المنع والرفع فإن ضر في الحالين ترتب عليه الإثم أيضا ولو جعل على نهر العامة قنطرة بغير إذن الإمام ولم يزل الناس والدواب يمرون عليه ثم انكسر أو وهي فعطب به إنسان أو دابة ضمن فإن كان بإذن الإمام لم يضمن لأنه فعله حسبة وممرا للناس انتهى ملخصا، وفي فتاوى البزازي المياه ثلاثة في عامة العموم كالأنهار العظام مثل دجلة وجيحون وسيحون ليست مملوكة لأحد فيملك كل أحد سقى دوابه وأرضه ونصب الطاحونة والدالية والسانية واتخاذ المشرعة والنهر إلى أرضه بشرط أن لا يضر بالعامة فإن أضر منع فإن فعل فلكل أحد من أهل الدار منعه المسلم والذمي والمكاتب فيه سواء ثم قال النهر الأعظم كريه من بيت المال وإصلاح مسناته أيضا لأنه للعامة وإن لم يكن في بيت المال مال واحتاج المسناة والنهر إلى العمارة يجبر العامة، وقال صاحب الكافي ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجتهم إليها فصار كالنهر والطريق وعلى هذا قالوا لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستسقى الناس منها ومن حفر بئرا في أرض موات فله حريمها أربعون ذراعا لقوله عليه السلام (من حفر بئرا فله حريمها أربعون ذراعا) لأن حافر البئر لا يتمكن من الانتفاع ببئره إلا بما حولها فإنه يحتاج إلى أن يقف على شفير البئر ليستسقي الماء والى أن يبنى على شفير البئر ما يركب عليه البكرة والى أن يبني الحوض يجتمع فيه الماء والى موضع تقف فيه مواشيه عند الشرب والى موضع تنام فيه مواشيه بعد الشرب فاستحق الحريم لذلك وقدره الشرع بأربعين ثم قيل أربعون ذراعا من الجوانب الأربعة في كل جانب عشرة أذرع لأن ظاهر اللفظ يجمع الجوانب الأربعة والصحيح أن المراد به أربعون ذراعا من كل جانب لأن المقصود دفع الضرر عن صاحب البئر وهو لا يندفع بعشرة أذرع من كل جانب فإن كانت الناضح وهي التي تنزح الماء منها بالبقر فكذلك عند أبي حنيفة أربعون ذراعا وعندهما حريمها ستون ذراعا لقوله عليه السلام (حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح ستون ذراعا) لأن استحقاق الحريم باعتبار الحاجة وحاجة صاحب بئر الناضح أكثر، وحريم العين خمسمائة ذراع لما روينا ولأنه يحتاج فيها إلى زيادة المسافة والتوقيف ورد بخمسمائة فاتبعناه إذ لا يدخل الرأي في المقادير، ثم عند بعضهم خمسمائة من الجوانب الأربعة من كل جانب مائة وخمسة وعشرون ذراعا والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب، والذراع هو المكسرة وهو ست قبضات وكان ذراع الملك سبع قبضات فكسر منه قبضته، ثم قال وما ترك الفرات أو دجلة وعدل عنه الماء ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه لحاجة النهر إليه، ثم قال الأنهار ثلاثة نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد كالفرات ودجلة والنيل فكريه على السلطان إن احتاج إليه من بيت المال لأن ذلك من حاجة عامة المسلمين وبيت المال معد للصرف إلى مصالح المسلمين فإن لم يكن في بيت المال شيء فللإمام أن يجبر الناس على كريه لأنه نصب ناظرا وفي تركه ضرر عام، وفي خلاصة الفتاوى: المياه ثلاثة في نهاية العموم كالأنهار العظام كدجلة والفرات وجيحون وسيحون وهي ليست مملوكة لأحد ولكل أحد أن يستقى منها ويسقى دابته وأرضه ويشرب منه ويتوضأ به ولكل واحد نصب الطاحونة والسانية والدالية واتخاذ المشرعة واتخاذ النهر إلى أرضه بشرط أن لا يضر بالعامة فإن أضر منع من ذلك فإن لم يضر وفعل فلكل واحد من أهل الدار مسلم أو ذمى أو امرأة أو مكاتب منعه، وفي مجمع البحرين وحريم بئر الناضح أربعون كالعطن وقالا ستون وتقدر للعين خمسمائة من كل جانب ويمنع غيره من الحفر فيه ويلحق ما امتنع عود دجلة والفرات إليه بالموات إذا لم يكن حريما لعامر وإن جاز عوده لم يجز إحياؤه، قال ابن فرشته 0في شرحه: لأن حق المسلمين قائم لجواز العود وكونه نهرا، ثم قال في المجمع: والنهر في ملك الغير لا حريم له إلا ببينة وقالا له حريم بقدر إلقاء الطين ونحوه وقيل هذا بالاتفاق، قال ابن فرشته وفي المحيط قال المحققون للنهر حريم بقدر ما يحتاج إليه بالاتفاق لضرورة الاحتياج إليه، وقال شمس الدين بن يوسف القونوي في درر البحار وحريم بئر النضح أربعون كالعطن وقالا ستون خمسمائة من كل جانب ويمنع غيره منه ولحق بالموات ما امتنع عود نحو دجلة إليه غير الحريم ويقدر حريم النهر بنصف النهر من جانبيه لا كله في وجه.

ذكر نقول الحنابلة

قال في المغني وهو أجل كتب الحنابلة وعلى منواله نسج الشيخ محي الدين النووي كتابه شرح المهذب ما نصه: وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه من طرقه ومسيل مائة ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته فلا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل مياهها لا يملك بالأحياء ولا نعلم فيه أيضا خلافا عن أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه لقوله عليه الصلاة والسلام (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له) فمفهومه أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالأحياء انتهى، وقال في موضع آخر المعادن الظاهرة وهي التي توصل إلى ما فيها من غير مؤونة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والكحل ومقالع الطين وأشباه ذلك لا يملك بالأحياء ولا يجوز اقطاعه لأحد من الناس ولا احتجاره دون المسلمين لأن فيه ضررا بالمسلمين وتضييقا عليهم ولأنه يتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه ولا اقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين، وقال في موضع آخر وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالأحياء قال أحمد في رواية العباس ابن موسى إذا نضب الماء عن جزيرة إلى قناة رجل لم يبن فيها لأن فيه ضررا وهو أن الماء يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر فأضر بأهله ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظاهرة انتهى، وذكر نحوه غير واحد من المؤلفين، وفي المستوعب: وما نضب عنه الماء من الرفاق والجزائر فليس لأحد أن يتملكه ولا يجري ذلك مجرى الأرض الموات نص عليه في رواية إبراهيم في دجلة يصير في وسطها جزيرة فيها طرق فأجازها قوم فقال كيف يجوزونها وهي شيء لا يملكه أحد وقال في رواية يوسف بن موسى إذا نضب الماء من جزيرة إلى فناء رجل هل يبنى فيه قال لا فيه ضرر على غيره لأن الماء قد يعود إليه وأن لم يعد بعد فهو طريق لكافة المسلمين.

[فائدة لطيفة]: قال ابن الحاج في المدخل: ليس للإنسان في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه، وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين فإذا بسط لنفسه شيئا ليصلي عليه احتاج لأجل سعة ثوبه أن يبسط شيئا كبيرا ليعم ثوبه على سجادته فيكون في سجادته اتساع خارج فيمسك بسبب ذلك موضع رجلين أو نحوهما أن سلم من الكبر من أنه لا ينضم إلى سجادته أحد فإن لم يسلم من ذلك وولى الناس عنه وتباعدوا منه هيبة لكمه وثوبه وتركهم هو ولم يأمرهم بالقرب إليه فيمسك ما هو أكثر من ذلك فيكون غاصبا لذلك القدر من المسجد فيقع بسبب ذلك في المحرم المتفق عليه المنصوص عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حيث قال (من غصب شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين) وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب إلا في وقت الصلاة وهو في وقت الصلاة غاصب له فيقع في هذا الوعيد بسب قماشه وسجادته وزيه فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي كان غاصبا لذلك الموضع الذي عملت السجادة فيه لأنه ليس له أن يحجزه وليس أحد فيه إلا موضع صلاته انتهى.

ذكر الأحاديث الواردة في إثم من ظلم شيئا من الأرض وطريق المسلمين

أخرج البخاري عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين) وأخرج البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد قال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين) وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كانت بينه وبين الناس خصومة في أرض فدخل على عائشة فذكر لها ذلك فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) وأخرج البخاري عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة) وأخرج البزار في سنده عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ملعون من تولى غير مواليه ملعون من ادعى إلى غير أبيه ملعون من غير علام الأرض) وأخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب قال هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من ذبح لغير الله ومن تولى لغير مواليه ولعن الله العاق لوالديه ولعن الله منتقص منار الأرض) وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله من تولى غير مواليه ولعن الله من غير تخوم الأرض) وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ملعون من غير حدود الأرض ملعون من تولى غير مواليه) وأخرج البزار في مسنده عن أبي رافع قال وجدنا صحيفة في قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مكتوب فيها (بسم الله الرحمن الرحيم فرقوا بين مضاجع الغلمان والجواري بل والأخوة والأخوات لسبع سنين وأضربوا أبناؤكم على الصلاة إذا بلغوا تسعا ملعون من أدعى إلى غير قومه أو إلى غير مواليه ملعون من اقتطع شيئا من تخوم الأرض) يعني بذلك طرق المسلمين، وأخرج أحمد وابن حبان والطبراني عن يعلي بن مرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى الله بين الناس) وفي لفظ لأحمد (من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر) وفي رواية للطبراني (من ظلم من الأرض شبرا كلف أن يحفره حتى يبلغ الماء ثم يحمله إلى المحشر) وأخرج أحمد والطبراني عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه طوقه من سبع أرضين لا يقبل منه صرف ولا عدل) وأخرج ابن سعد في الطبقات والطبراني عن الحكم بن الحارث السلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء به يوم القيامة يحمله من سبع أرضين) وأخرج أحمد والطبراني عن أبي مسعود قال قلت يا رسول الله أي الظلم أظلم فقال (ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الله الذي خلقها) وأخرج ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين).

[خاتمة]: أرسلت بقضية هذا الرجل الذي أراد البروز إلى قاضي القضاة الشافعي وأرسلت له نقول المذهب وهذا المؤلف وعرفته أن الذي كانوا يحكمون به من الأذن في البروز بالروضة ونحوها باطل ليس بحكم الله ولا هو مذهب الشافعي فأذعن للحق ومنع نوابه من الحكم بذلك ثم أراد أن يرسل إلى الخصم ويحكم عليه بالمنع من البروز فأرسلت أقول له ان أحسن من ذلك أن يحكم حكما عاما بالمنع من غير تعيين خصم ولا توجه دعوه فاستغرب ذلك فأرسلت أقول له أن ذلك جائز في مثل هذا ونحوه وقد حكم الشيخ تقي الدين السبكي نظير هذا الحكم وابلغ منه وألف فيه مؤلفا فأرسلت إليه بمؤلف السبكي في ذلك فحكم بمنع البروز في الروضة منعا مطلقا إلى أن تقوم الساعة ونفذ هذا الحكم قاضي القضاة الحنبلي وقاضي القضاة المالكي، وأرسلت بذلك وبهذا المؤلف إلى المقام الشريف مولانا السلطان فأحاط بذلك علما وتوعد أهل البروزات منعا وهدما. وقد ختمت هذا المؤلف بقصيدة نظمت فيها المسألة لأن النظم أيسر للحفظ وأسير على الألسنة وسميتها النهر لمن برز على شاطئ النهر وهي هذه:

بدأت ببسم الله في النظم للشعر *** وأثنى بحمد الله في السر والجهر

وصلى آله العرش ما ذكر اسمه *** على المصطفى المبعوث للسود والحمر

وهاتيك أبياتا يضاهي قريضها *** إذا ما رأى الراؤون بالكوكب الدري

فمسنده لابن الفرات عذوبة *** وبهجته الزهراء تعزى إلى الزهري

وألفاظه تحكى عن الماء رقة *** وفيه معان كلها عن أبي بحر

شذاه إلى الآفاق طار فعرفه *** وتحليقه في الجو كالورد والنسر

وذلك في حكم من الشرع بين *** يفوق السنى البدري في ليلة البدر

به قال أصحاب المذاهب كلهم *** وكل أمام قدوة عالم حبر

لقد عمت البلوى بأمر محرم *** وظن مباحا ذاك كل امرئ غمر

ففي روضة المقياس جار بروز من *** أراد بأن يسطو على البر والبحر

أتى في حريم النهر بعض بروزه *** وسائره قد حل في بقعة النهر

وما قال هذا قط في الدهر عالم *** ولم يستبحه في القديم أولو الخبر

وأعظم من ذا في البلية من عزا *** أباحته للشافعية بالقسر

وما قال هذا الشافعي وصحبه *** ولا أحد من قبل أو بعده يدري

يمينا وفجر والليالي بعشرها *** وشفع ووتر ثم ليل إذا يسرى

بل النص في كتب الإمام وصحبه *** بأن حريم البحر والنهر إذ يجري

كلا ذين لا ملك عليه يحوزه *** وإن بناء الناس فيه أخو حظر

ولا جاز إقطاع لديه ولا انزوى *** إلى ملك بيت المال بيعا لمن يشرى

ومن فيه يبنى فليهد بناؤه *** وننسفه في اليم نسفا على قدر

وفي حسرة يمشى على فقد جسره *** وفي خسره أضحى إلى حشره يجري

وأما قديما قد رأينا مؤصلا *** على نمط الجيران في السمت للجدر

فذلك نبقيه ونولي احترامه *** لوضع بحق سابق غير ذي ختر

ومن رام نقلا يستفيد بعزوه *** ليحكى نصوص العلم إن حل في صدر

ففي الأم نص الشافعي إمامنا *** ومختصر عالي الذرى سامي القدر

وتعليقة القاضي الحسين وغيره *** وكافي الخوارزمي ذي الفضل والذكر

وتهذيب محيي السنة البغوي مع *** نقول كثير قد تجلى عن الحصر

وفي الشرح نص الشافعي وروضة النواوي *** حيا قبره وابل القطر

كذا في فتاوى ابن الصلاح بيانه *** وناهيك بالحبر النقي عن الأصر

وسار عليه في الكفاية نجمنا *** أجل ففيه جاء إذ ذاك من مصر

وأوضحه في الابتهاج وغيره الإمام *** التقي السبكي بالبسط والنشر

وفيه عن القفال لو رام نخلة *** ليغرس بالشاطئ منعناه بالقهر

وبين ذاك الزركشي بشرحه *** ومن بعد في الشرح الدميري ذو الفخر

وبينه الغزي في أدب القضا *** فخذها نقولا من بحار أولى در

وخذ عن نقول المالكية مسندا *** كل إمام منهم عالم حبر

وفي مدخل ابن الحاج أعظم بسطه *** وبين ما فيه من الإثم والضر

وحد حريم النهر ألف ذراعه *** وذلك أعلى الحد في حرم النهر

وأما النقول المستفيضة عن أبي *** حنيفة في هذا فأوفى من البحر

وحدوا حريم العين من كل جانب *** بخمس مئ من أذرع هي ذو كسر

وأما نقول لابن حنبل جمة *** وناهيك بالمغنى فكن فيه ذا ذكر

ومذهبه في الجزر أضيق مذهب *** لنص له أن ليس يبنى على جزر

ومذهبنا في ذاك أفسح مذهب *** لأنهم قاسوا الحريم على البئر

وأدنى حريم البئر قد قيل خمسة *** وعشرون ذرعا من ذراع أولى الشبر

وكل مكان عمه في زيادة *** من الماء معدود من الأرض للنهر

وضابطه ما بين سطحين حفرة *** إذ النهر مردود إلى مادة الحفر

فحفرة مجرى الماء نهر ومبدأ الحريم من التسطيح قدرا على قدر

ومن رام في هذا البناء فإنه *** أضر على المارين في البحر والبر

يقيم به في أكثر العام ماؤه *** فلا يجد المارون طرقا إلى المر

ومن ههنا مع ههنا كل سالك *** يمر وهذا البرز كالطود في البحر

وليس بها من يقطع الطرق غيره *** فلله ممن يقطع الطرق في الظهر

وقد صح في الآثار تطويق سبعة *** أراض لمن يجني من الأرض كالشبر

وقد صح أيضا لعنه وانخسافه *** إلى الأرضين السبع في موقف الحشر

فمن رام مع هذا الوعيد بروزه *** ففي العصر أن المعتدين لفي خسر

وألفت في منع البروز بشاطئ *** على النهر تأليفا أسميه بالجهر

تضمن من هذي النقول عيونها *** وأوضحت فيه ما تفرق في السفر

وقد صب حكم الشرع بالمنع حاكم *** على كل ما رام البروز على النهر

لزوما لمنع في العموم لكل من *** أراد بروزا في الحريم مدى الدهر

وهذا صحيح نافذ يستمر لا *** يشان بإفساد ونقض ولا كسر

وقد حكم السبكي فيه نظيره *** وألف تأليفا له عالي القدر

ومن لم يطع حكم الشريعة رده *** إليها برغم راغم سطوة القهر

من الملك الحامي زمام شريعة *** فأيده الرحمن بالعز والنصر

ونختم هذا النظم بالحمد دائما *** لرب العلا المختص بالحمد والشكر

ونثني على الهادي بخير صلاته *** وتسليمه فهو المشفع في الحشر

وآل له خصوا بكل مزية *** وأصحابه الزاكين والأنجم الزهر

ونتبع هذا بالرضا عن أئمة *** هم قدوة للخلق في كل ما عصر

إمامي أعنى الشافعي ومالك *** وأحمد والنعمان كل ذوو قدر

وسميت هذا النظم بالنهر زاجرا *** لمن رام أن يبني على شاطئ النهر

فموضوعه بحر وبحر علومه *** وعدته سبعون بيتا على بحر

ونختم بما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله ما حق جاري قال إن مرض عدته إلى أن قال ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح، وأخرج ابن عدي في الكامل والبيهقي بسند ضعيف من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه، قال أتدري ما حق الجار إذا استعانك أعنته - إلى أن قال ولا تستطيل عليه بالبناء تحجب عنه الريح إلا بإذنه) قال البيهقي هذا شاهد للذي قبله يعتضد به.

مسألة:

في أرض آهر ببلد اكدز وهي أرض إسلام ليس فيها إلا المسلمون ولكل قبيلة منهم أرض هم نازلون بها وليس فيها ما ينتفع به من الحرث والزراعة في الغالب وإنما غالب ما ينتفع به فيها مباحات من النبات كشجر الدوام والسدر وغيرهما مما ينبت بغير تكلف آدمي وما شابهه من حبوب الأعشاب النابتة بغير حرث ولا تعب مما هو تبع للأرض ويحصل لمن اعتنى بجمع ذلك شيء له قيمة والأرض المذكورة تملكها أهلها المذكورون بها بإذن أمين البلاد المولى بإذن أمير المؤمنين وأقطعها أمير البلاد المذكور لأهلها النازلين المذكورين بها لمصالح له وللمسلمين في اقطاعهم إياها فهل لمن هو بها أن يبيع كلأها وشيئا من شجرها وهل لهم أن يمنعوا غيرهم من الرعي فيها أو الانتفاع منها بشيء، وأصل الأرض المذكورة مجهول لا يعرف هل هي أرض عنوة أو أرض صلح وإنما هي من قديم الزمان بيد مقدم البلاد يقطعها لمن يشاء ونشأوا على ذلك خلفا عن سلف وغالب مصالحهم ومنافعهم متعلقة بذلك. فإن قلتم لهم بيع كلأها ومنع غيرهم منه فما معنى الحديث الوارد في منع بيع فضل الماء ليمنع به الكلأ وما معنى الحديث الوارد فيما يروى أربعة لا تمنع وذكر فيها الماء والكلأ أفتونا مأجورين سددكم الله تعالى للصواب بعد السلام عليكم.

الجواب:

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. اتفق العلماء على أن الكلأ إذا جز من نباته وقطع وحيز بالأخذ والتنازل فإن حائزه يملكه وله بيعه ولا يجب عليه بذله وأما الكلأ الذي هو في منابته لم يقطع ولم يجز فإن كان نابتا في أرض موات فالناس فيها سواء كالماء المباح وعلى هذا يحمل ما ورد في الحديث عن النبي عليه السلام من منعه، وإن كان نابتا في أرض مملوكة فهو ملك لصاحب الأرض لا يجب بذله ويجوز بيعه، بقي قسم واحد وهو الكلأ النابت في أرض أقطعها السلطان إنسانا وفيه تفصيل فإن كانت تلك الأرض مواتا لم يجز الإقطاع والحالة هذه لأنه من الحمى المنهى عنه في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا حمى إلا لله ورسوله) وإنما يجوز إقطاع الموات الخالي عن الكلأ والعشب وإن كانت تلك الأرض غير موات وهي من أراضي بيت المال التي يقطعها السلطان الآن من الديار المصرية فإن اقطاعها صحيح ويختص المقطع بالكلأ الذي فيها ينتفع به ويبيعه لأنه مال من جملة أموال بيت المال سوغ السلطان استغلاله لهذا المقطع بعينه والظاهر أن أرض اكدز بهذه المثابة في الإقطاع والاستغلال والله أعلم.